فن التحريـك و الفسحة الـماورائية
محمود رأفت زيني
عندما بدأت الأفلام المصورة فوتوغرافيا بالظهور ظهرت معها أفلام الرسوم المتحركة، أو كما نسميها عادةً “أفلام الكرتون”. ميزت هذه الافلام صفة معينة:ألا وهي حقيقة أن فناني التحريك بثو في شخصيات جامدة الحركة و وهم الحياة. وبهذا بث الحركة (فن التحريك) ارتبط فورا بالماوراء أو “الميتافيزيقا” لأنوهم الحياة هذا مرتبط بالضرورة مع الغير محسوس، بالمشاعر، بالافئدة و بالفلسفة. لا يدرك الكثير من الفنانين هذه الصفة، لكنهم مرتبطون بها في كلمرة يقوموا برسم بعض اللقطات المتتالية لشخصية مرسومة. يميل كل فناني التحريك نحو البعد الغير محسوس، فالماوراء مجال، فسحة اختباره في الفنهذا، أوسع من أي فسحة أخرى. بالتالي، نرى فورا ميلاً للتحرر من قيود الواقع و للإبحار في فسحة الماوراء من بدايات تاريخ والت ديزني الى يومنا هذا.
محمود رأفت زيني
عندما بدأت الأفلام المصورة فوتوغرافيا بالظهور ظهرت معها أفلام الرسوم المتحركة، أو كما نسميها عادةً “أفلام الكرتون”. ميزت هذه الافلام صفة معينة:ألا وهي حقيقة أن فناني التحريك بثو في شخصيات جامدة الحركة و وهم الحياة. وبهذا بث الحركة (فن التحريك) ارتبط فورا بالماوراء أو “الميتافيزيقا” لأنوهم الحياة هذا مرتبط بالضرورة مع الغير محسوس، بالمشاعر، بالافئدة و بالفلسفة. لا يدرك الكثير من الفنانين هذه الصفة، لكنهم مرتبطون بها في كلمرة يقوموا برسم بعض اللقطات المتتالية لشخصية مرسومة. يميل كل فناني التحريك نحو البعد الغير محسوس، فالماوراء مجال، فسحة اختباره في الفنهذا، أوسع من أي فسحة أخرى. بالتالي، نرى فورا ميلاً للتحرر من قيود الواقع و للإبحار في فسحة الماوراء من بدايات تاريخ والت ديزني الى يومنا هذا.
في فيلم الكرتون القصير (Little Red Riding Hood) المنتج سنة ١٩٢٢، نجد ذاك الميل متجسداً في محاولة أنسنة الحيوانات، في تصوير الأرواح، وفي احياء الجمادات. هذا الميل يكشف لنا خاصية لا يمتكلها سوى الفنانون أو الفلاسفة. الخاصية هي: العِلم بقابلية اكتشاف، و النظر في، لا محدوديةالخيال الانساني (في الماوراء)، الذي بدوره يستطيع تعليمنا عن طريق فسحة الاكتشاف والنظر. اليوم فن التحريك يتجه و يندفع بمساعدة شباب فنان فيالتحريك نحو المزيد من التجريد و نحو تصوير شعور خيالي غير حرفي للواقع. يقع مستقبل فن التحريك في قابليته الاستكشافية للخيال بطرق ليستواقعية نسخية فقط. عبر الاستكشاف هذا سيتم توجيه المشاهد عن طريق الماورائية الى معرفة نفسه و علاقته بالبيئة التي من حوله.
عند النظر في موجات الفن عبر التاريخ سنجد أن كل حقبة تعكس روحاً مقيدة بموازين الاقتصاد المعرفي وقتها. اهتم الغرب و لفترة طويلة فنياً بالواقعية ومحاولة نسخ الطبيعة حرفياً. في كتاب نظرية المرئيات (Practices of Looking) تم تعريف الواقعية : ((مصطلح الواقعية يشير في الغالب الى مجموعةمن العادات، أو الى طريقة فنية أو تصويرية تُفهم في حقبة زمنية معينة كتصوير دقيق للطبيعة أو لما هو حقيقي/واقعي أو كطريقة لشرح و فهم معانيالأشخاص، الأشياء، والاحداث العالمية الكلية بطريقة دقيقة)) [1].
عند النظر في موجات الفن عبر التاريخ سنجد أن كل حقبة تعكس روحاً مقيدة بموازين الاقتصاد المعرفي وقتها. اهتم الغرب و لفترة طويلة فنياً بالواقعية ومحاولة نسخ الطبيعة حرفياً. في كتاب نظرية المرئيات (Practices of Looking) تم تعريف الواقعية : ((مصطلح الواقعية يشير في الغالب الى مجموعةمن العادات، أو الى طريقة فنية أو تصويرية تُفهم في حقبة زمنية معينة كتصوير دقيق للطبيعة أو لما هو حقيقي/واقعي أو كطريقة لشرح و فهم معانيالأشخاص، الأشياء، والاحداث العالمية الكلية بطريقة دقيقة)) [1].
اكتشف الفنانون في احدى الحقب الزمنية؛ البُعد أو المنظور. عرّف الاكتشاف هذا مكان المشاهد ضمن بيئته المصورة. ((المنظور يشير الى مجموعة منالنظم أو الآليات التي تستخدم لتصوير الأشياء الموجودة في مكان ما، و كأنها تشاهَد عن طريق المشاهد عبر اطار لوحة أو نافذة)) [2]. أصبح المشاهد معالتقدم هذا جزءا لا يتجزأ من عملية صنع الصورة، وبهذا جلب معه الذاتية - الـلاموضوعية - الى بناء المعنى المعقد للفن الغربي.
فنانا التحريك فرانك تومبسون و أولي جونسون في حقبة الحداثة و ما بعدها تحدثا عن نقلة نوعية في عالم الفن. قال تومبسون: ((لسبب عجيب، توجد لدىالانسان رغبة في صنع - شيء يتحدث بسلطة - شيء يعطي وهم الحياة)) [3]. لا تتضمن النقلة هذه تعريف المكان و علاقة المشاهد بذاك المكان عن طريقمنظوره فقط، بل بمنظور ما يقبع ضمن اطار ذاك المكان و علاقته بالمشاهد. فبعد اكتشاف المنظور الذي ساعد الفنان في رسم أي منظر بطريقة متقنةتمنحه بعدا ثلاثي الابعاد، اكتشف فنانوا الرسوم المتحركة أن النقلة هذه المتجسدة في فن التحريك لا تعطي المشاهد قابلية المنظور فقط عن طريق تصويراحساس النظر عبر اطار أو نافذة، بل تجعل الفن نفسه مالكا لمنظوره الخاص و نافذته الخاصة التي من خلالها يرى المشاهد.
فنانا التحريك فرانك تومبسون و أولي جونسون في حقبة الحداثة و ما بعدها تحدثا عن نقلة نوعية في عالم الفن. قال تومبسون: ((لسبب عجيب، توجد لدىالانسان رغبة في صنع - شيء يتحدث بسلطة - شيء يعطي وهم الحياة)) [3]. لا تتضمن النقلة هذه تعريف المكان و علاقة المشاهد بذاك المكان عن طريقمنظوره فقط، بل بمنظور ما يقبع ضمن اطار ذاك المكان و علاقته بالمشاهد. فبعد اكتشاف المنظور الذي ساعد الفنان في رسم أي منظر بطريقة متقنةتمنحه بعدا ثلاثي الابعاد، اكتشف فنانوا الرسوم المتحركة أن النقلة هذه المتجسدة في فن التحريك لا تعطي المشاهد قابلية المنظور فقط عن طريق تصويراحساس النظر عبر اطار أو نافذة، بل تجعل الفن نفسه مالكا لمنظوره الخاص و نافذته الخاصة التي من خلالها يرى المشاهد.
صنع وهم الحياة هذا و افسح المجال لخبرة نوعية فنية جديدة. الخبرة هذه تجعل المشاهد يشعر للــــفن خصوصا بعد تحريكه و بث الحياة فيه. العلاقةالروحية/التصورية هذه في الاونة الاخيرة اصبحت هَم فناني التحريك الدائم و هدفهم الاسمى. ولهذا كان من الضروري تطوير تقنيات و برامج متطورةجدا تسطيع جعل ما يتم تصويره حقيقا/واقعيا، ناسخا للعالم بكل تفاصيله، لكي يتم تصوير تلك العلاقة ما بين المشاهد و ما يشاهده بطريقة شبه كاملة.
يميل فنانوا التحريك في عصرنا هذا مجددا للمذهب أو الطريقة الواقعية التي عرفتها انفاً. قامت التكنلوجيا المعقدة و المطورة في القرن الحادي والعشرينبتغيير مسار فناني التحريك. فهم اليوم يميلون نحو الواقعية بعيدا عن التجريد. و مغرمون بما يقدمه الغرب من تطورات تكنلوجية. المساحة والفسحة التييقوم فن التحريك بتوفيرها لم تعد تهم فناني التحريك بما فيه الكفاية. بات بالتالي نسخ الواقع، بسبب التقنية و محاكات الطبيعة بصورة طبق أصلية، سباقيحاول الجميع الفوز به.
يميل فنانوا التحريك في عصرنا هذا مجددا للمذهب أو الطريقة الواقعية التي عرفتها انفاً. قامت التكنلوجيا المعقدة و المطورة في القرن الحادي والعشرينبتغيير مسار فناني التحريك. فهم اليوم يميلون نحو الواقعية بعيدا عن التجريد. و مغرمون بما يقدمه الغرب من تطورات تكنلوجية. المساحة والفسحة التييقوم فن التحريك بتوفيرها لم تعد تهم فناني التحريك بما فيه الكفاية. بات بالتالي نسخ الواقع، بسبب التقنية و محاكات الطبيعة بصورة طبق أصلية، سباقيحاول الجميع الفوز به.
تخيل فنان الخلفيات السفر الى الفضاء في الفيلم (Man and the Moon)، بطريقة جدا دقيقة قبل السفر للفضاء حقيقةً بـ ١٢ سنة. يستطيع فنانالتحريك اكتشاف ابعاد لا نهاية لها. بسبب تحكمه في الوقت، و في الحركة المعقدة للشخصيات ضمن مكان معين، يستطيع فنان التحريك أن يلعب و يبحرفي محيط الماوراء الذي يوفره فن التحريك. أفكار فلسفية معقدة مثل فكرة ان الكل يعيش في برنامج محاكاة، تناقش عادة في المجالس أو الحصصالأكاديمية، بينما الآن من الممكن أن ترسم و تعرض هذه الافكار في مسلسل مثل (Rick and Morty) بكل سهولة. في مقال من موقع المنشورات الدينيةمن جامعة جنوب كاليفورنيا، تتحدث الكاتبة ليان ستراوس عن خمسة نقاط/أسباب تجعل فن التحريك مميزا، و بالتالي وحده القادر على تمثيل التصورات/الأفكار الماورائية.
أول هذه الأسباب بالطبع: الحرية الفيزيائية الكاملة. الحدود الفيزيائية التي يفرضها الواقع لا تلزم ولا تتحكم فيما سيعرض من الرسوم المتحركة. فيمسلسل (Adventure Time) مثلا، تصور فنانو التحريك مخلوقا يعيش في أبعاد أربعة واستطاعوا بخيال واسع أن يحولوه الى ثقب أسود. من الممكنلفنان التحريك أن يجعل شخصية تنموا ويناهز حجمها حجم الشمس، أو أن تنكمش و يناهز حجمها حجم ذرة. الحرية الفيزيائية هذه تتيح لفنان التحريكالابحار بابداع في فضاء الأفكار وأن يجرب تلك الأفكار. مجال فن التحريك و بسبب هذه الحرية لا يسمح للفنان أن يتلاعب بالمنظور و بوهم الحياة فقط،بل بالحياة والكون ذاته (قوانين الكون).
السبب الثاني هو كون جوهر الرسوم المتحركة (الكرتون) نفسها لا يحتاج بالضرورة لأحداث خارقة للعادة و مبالغ في حماسها. من الممكن لشخصيتين أنيتحدثى في هدوء، حديثا ذكياً في مكان مرسوم بطريقة جميلة. المكان المرسوم، عند تحريكه و تلوينه بطريقة متقنة، يجذب انتباه المشاهد الذي بدوره يخبرجمال هذا الحدث من غير الحاجة لجري توم كروز المبالغ في حماسه. فن التحريك أيضا يستطيع تخطي اللغة والكلام. يستطيع أن يتعالا عليهم و أن يقومبشرح فكرة معقدة عن طريق تصوريها و حكيها مرئيا دون الحاجة للكلمات الكبيرة والمعقدة. فمثلا مشاكل فلسفية لها علاقة بالادراك، كالتي قام بشرحهاابن الهيثم أو كانط، من الممكن أن تعرض في حلقة من مسلسل رسوم متحركة (كرتون) مثل (Futurama) بكل سهولة. في احدى حلقات هذا المسلسل يقومالرجل الالي (Bender) مثلا بادراك انه و بعد مغامرة طويلة عريضة استهلكت وقت الحلقة كلها، كان يغامر في خياله وأن ادراكه بالتالي كان في غيرمحله. تجاوز الكلام الكثير يجعل فيلم الكرتون، و بسبب نظامه المرئي ، يركز على الأفكار، وكما كتبت صاحبة المقال لينا ستراوس: ((المنشود هنا الأفكار، لاالثرثرة)) [4] .
اخر سببين ذكرتهما ستراوس هما: أن الغريب يصبح طبيعيا بسبب الحرية المتاحة في فن التحريك لقلب و تغيير التعاريف و المعايير المعتمدة و المعتادعليها ثقافياً في الواقع، و أن اغلب مشاعر من يشاهد أفلام الكرتون لا تجرح و لا تهان لأن المعروض مجرد وَهْم مرسوم (ليس حقيقيا). امتلاك فيلم الكرتونللحرية هذه من الممكن أن يجلب معه بعض المعضلات الأخلاقية، الكلامية، و الفلسفية. الميل للعدمية احدى تلك المعضلات. الانفصال عن الواقع والابحار فيالماوراء قدرة يمتلكها فنان التحريك و بالتالي يضع قوانينه الخاصة لعالمه الوهمي الجديد الذي قام برسمه. و من هنا قام ديفيد أورايلي أحد فنانيالتحريك، بعمل فيلم كرتوني متحرك ثلاثي الأبعاد كسر فيه كل حواجز الأخلاق، العقلانية، و الاحترام. طبعا هذه الافلام الغريبة و العدمية التي لا تأبهللمعنى و قيمته الجوهرية متواجدة في الانترنت و بكثرة. مثل هذه الكرتونات تخالف منطق و فلسفة والت ديزني. وقد وصف جون هينتش أفلام ديزنيالمتحركة في هذه العبارة: ((أعرف انه (والت ديزني) اعتبر الترفيه أكثر من مجرد مهرب من الواقع. لطالما تأكدنا بأنه سيجعل الناس سعداء)) [5] . على عكسهذه النظرة نجد نظرة الفلاسفة الفرنسيين المابعد حداثيين و اغراقهم في العدمية و سعيهم الدائم وراء تصويرها عبر الصناعة الفنية بكل أصنافها.مسلسل الكرتون (Rick and Morty) على سبيل المثال يقوم بتجسيد السببين المذكورين انفاً بطريقة ذكية من دون الوقوع في عدمية مطلقة. نتوقع فيالغالب أن يواجه الكرتون قضية أو موضوع معين دون الخروج عن دائرته، لكن في المسلسل هذا يتم التنقل بين العديد من المواضيع الثقافية العميقةوينتهي به الأمر للعودة الى حياة فتى مراهق بطريقة عفوية جداً. في احدى الحلقات على سبيل المثال يقوم المراهق بمواجهة اسئلة وجودية عميقة و كئيبةجدا، لكن و لكونه فيلم كرتون، يتم عرض الموضوع بعفوية تامة على عكس طبيعة الفيلم السينمائي الذي قد يولد الخوف و الحزن لدى المشاهد. تختم الكاتبةمقالها بنقطة لاحظتها تتعلق بفن التحريك و قدراته الفلسفية: ((أفلام الكرتون نظرية بطبيعتها، لهذا من الممكن تحويلها الى نظريات بسهولة. تنهض الانفلسفة جديدة في المجال الاجتماعي العام. الفلسفة هذه مرحة، مفتوحة، و تجعل تَفكُر ونقاش الاسئلة الجادة أسهل)) [6].
وفقا لما تم سرده عن فن التحريك و علاقته بالتنظير، بالافكار، بالفلسفة و الماوراء، سنجد نقطة تجمع ما تم سرده. النقطة هذه هي الفسحة المميزة التييقدمها هذا الفن. تتيح الفسحة هذه اكتشاف المواضيع بطريقة ابداعية متفردة عن غيره من أنواع الفنون. لكن ما الغاية من الفسحة هذه؟ هل هيضرورية؟ و ما علاقة الفسحة هذه بالبيئة و الواقع الانساني؟ في الحقيقة عندما نستكشف عن طريق الفسحة هذه نقوم بالعثور على ادراكات جديدة.الادراكات هذه تتوسع و تنفرد كالأوريجامي (الورق الياباني المطوي) من ادراك واحد محدود نحو اللانهائي الغير محدود داخل عقل الفرد. الادراك مرتبطبطرق النظر الحسية و العقلية، و بالتالي كل نوع من أنواع الادراك محكوم بالفكر الذي يقننه. حركة الانطواء/التطبيق و الانفراد/الانفتاح هذه من الممكنتخيلها كعملية تطبيق أو طوي لورقة مستطيلة. فعند تطبيقها نتحرك من الكلي/العام (الورقة المستطيلة) الى مثلث صغير (الخاص). هذه الحركة تسمى(Enfolding) بينما الحركة المعاكسة هي حركة فتح، فرد، أو فك تطبيق الورقة (unfolding). قام فيلسوف و عالم فيزياء الكم ديفيد بوم بالحديث عن حركةالتطبيق و فك التطبيق هذه عندما نظًّر للعلاقة ما بين فيزياء الكم و النفس البشرية [7]. وصف ديفيد بوم بأن الكون يمتلك نوعان من أنواع النظام: نظامخارجي/ظاهر و نظام ضمني/باطن. في النظام الأول توجد العلاقات الفيزيائية الكلاسيكية الواضحة، بينما في النظام اللاحق توجد العلاقات الخفيةالمتناهية في الصغر كتلك الموجودة في فيزياء الكم. العلاقة اذا بين النفر الانساني و ما يشاهده، شبيهة بعلاقة التطبيق و فك التطبيق. فالمشاهد يمتلكنظامه الظاهر، و الباطن، كما يتملك الشخص المشاهد لما يشاهد نظاميه ايضا.
من هنا الفسحة الباطنية التي تحتوي على المعنى، الفلسفلة، و الماوراء في الرسوم المتحركة، لو استكشفت باعتدال، ستتيح مشاهدة تصورات وادراكاتجديدة، تتيح للمشاهد عبر نظامه الخارجي أن يستوعب الادراكات الجديدة التي يشاهدها و بالتالي يوسع مدركاته الذاتية الموجودة في نظامه الضمني.اذا فالفسحة الموجودة في فن التحريك تقوم بِـــفك تطبيق الادراكات اللامتناهية الموجودة في نظام النفر الضمني، و تقوم أيضا، و بطريقة عكسية، بتعريفالخيال و اظهار فرادته النظرية و التجريدية ضد الواقع و حقيقته الصلبة. للتقريب فلنتخيل وجود ورقة أوريجامي مطبقة بشكل معين، فلنفترض بأن الشكلالمطبق هذا هو ادراك الفرد الذاتي. طبعا وبما أن الفرد يمتلك ضمنيا ادراكات لا متناهية، لكنها مطبقة و غير موسعة أو لم يتم فك-تطبيقها، لابد للفرد، وعنطريق نظره و تلقيه لأنواع جديدة من الادراك المقدمة في فن التحريك، من أن يفك-تطبيق تلك الادراكات الضمنية الغير مكتشفة بعد. حركة فك-التطبيقستحول الذاتية الموحدة تلك الى مجموعة من الادراكات و من هنا يكتسب الفرد قدرات جديدة في فهم الاخر عن طريق توسيع مدركاته. بالتالي، وبالضرورة، تقوم الفسحة الموارائية الموسعة للادراك باظهار، عن طريق التناظر، الفرق الشاسع ما بين الواقع الحقيقي الصلب وقوانينه الطبيعية، و ما بينقابلية الخيال الواسعة المتجسدة و المصورة في منتجات الرسوم المتحركة.
يشرح الفيلسوف الفرنسي جيليس ديلوز أفكار هندسية مشابهة لما أقوم بالتنظير له، وفي فلسفته توجد الكثير من النظريات و الأفكار المفيدة. في كتاب“التطبيق و اللامحدود” تعلق لورا ماركس على ديلوز وتقول: ((من الممكن للمعلومات أن يفك-تطبيقها على الصورة. الصور و المعلومات تدخل العالم و تعودالى اللامحدود عن طريق انسياب التطبيق و فك-التطبيق الذي لا ينتهي)) [8]. يضع الفنان المعلومات المطبقة من الباطن الى الظاهر على الصورة، وبهذاتعكس الصورة ظاهر الفنان العملي وباطنه الفكري ايضاً. وبهذا نعرف بالضرورة أن كل قطعة فنية أو صورة دائماً ما تعكس فكر فنانها الفلسفيوالاعتقادي. الفسحة الماورائية و الحرية الموجودة في فن التحريك تجعل من فنانيه مغامرين يستطيعوا تصوير واستكشاف الفلسفات والادراكات المختلفةبامتياز وبعفوية تامة.
نعود لفكرة فك-تطبيق التنوع الادراكي اللامتناهي داخل الفرد. عند فك-تطبيق الادراك الواحد وفرده لكي يصبح متنوعاً شاملاً قريباً من اللامتناهي، يقتربالفنان و المشاهد الى حالة العرفان التي يصفها المزكية و الصوفية. من الضروري لمن أراد الوصول لمرحلة العرفان هذه أن يستلهم، يفهم، و يستوعبادراكات جديدة تختلف عن ادراكه الأحادي المحدود. تقوم الرسوم المتحركة اذاً و بسبب الحرية الماورائية (الميتافيزيقية) المتاحة ضمن نطاقها الفني، بتحقيقفكرة فك-تطبيق الادراكات، عن طريق عرض ادراكات جديدة ابداعية. لو قام فنان التحريك اذا بفهم الخاصية المميزة هذه و طبق مقتضاها في عمله لكييستوعب و يعرض الادراكات المختلفة، سيقوم بجعل الجدال والحوار الفلسفي متاحا للعامة. تستطيع الرسوم المتحركة أن تبسط النظريات بسبب الفسحةالموجودة في الفن العظيم هذا. يستطيع فنان التحريك أن يجعلنا نفرق عن طريق التقابل والتناظر ما بين الطبيعة و خيالنا الغير محدود. عندما اكتشفناأنواع الادراكات المختلفة عن طريق الفسحة الماورائية التي سمحت لنا بمعرفة انفسنا، سنكتشف ايضا الفرق الواضح ما بين خيالنا و ما بين الطبيعة،وبهذا و بطريقة عكسية سنتعرف على الطبيعة أكثر عن طريق المقارنة.
لابد للكل أن يكون على حذر عند الخوض في الفسحة هذه لأن التطرف الفكري احتمال موجود و من هنا مسئولية كل فنان. لا ننسى جمال ما قاله والتديزني: “فن التحريك يستطيع شرح أي شيء يستطيع عقل الانسان تصوره”. فلنستكشف حدود خيالنا اذا، و نجلب أفكار، تصورات، وادراكات جديدة،لكي نتعلم التفاهم و العيش بطريقة أفضل في عالمنا المتنوع الذي ينشد الوحدة.
Sturken, Marita, and Lisa Cartwright. Practices of Looking: An Introduction to Visual Culture. (1) Oxford: Oxford UP, 2001. Print p146. (ترجمتي الخاصة)
[2] ) Sturken, Marita, and Lisa Cartwright. Practices of Looking: An Introduction to Visual Culture. Oxford: Oxford UP, 2001. Print. p151 (ترجمتي الخاصة)
[3] Thomas, Frank, and Ollie Johnston. Disney Animation: The Illusion of Life. New York: Abbeville, 1981. Print. p13 (ترجمتي الخاصة)
[4] ) Strauss, Ilana E. "5 REASONS THAT CARTOONS ARE THE 21ST CENTURY’S GREAT METAPHYSICAL PLAYGROUND."Religiondispatches. USC, 29 Feb. 2016. Web. 14 Apr. 2016. (ترجمتي الخاصة)
[5] Thomas, Frank, and Ollie Johnston. Disney Animation: The Illusion of Life. New York: Abbeville, 1981. Print. p535 (ترجمتي الخاصة)
[6] ) Strauss, Ilana E. "5 REASONS THAT CARTOONS ARE THE 21ST CENTURY’S GREAT METAPHYSICAL PLAYGROUND."Religiondispatches. USC, 29 Feb. 2016. Web. 14 Apr. 2016. (ترجمتي الخاصة)
[7] Bohm, David, and Lee Nichol. On Creativity. London: Routledge, 1998. Print.
[8] Marks, Laura U. Enfoldment and Infinity: An Islamic Genealogy of New Media Art. Cambridge, MA: MIT, 2010. Print. p7 (ترجمتي الخاصة)
0 Likes